الرهن الحيازي


الرهن الحيازي كأحد وسائل التنمية


بقلم: أ.د/ محمد عويان 
الحقيقة أن التشريعات وإصدار القوانين من أهم العناصر في تحقيق عملية التنمية المستدامة, حيث لا تكون الثقة المتبادلة متوافرة بين أطراف التعامل إلا من خلال قوانين تنظمها، وتحكمها، وتكون متلاحقة ومتطورة بتطور عمليات التنمية ودعم الائتمان لدفع عجلة الإنتاج وتسهيل عمليات الاقتراض. وبما أن الرَّهْن الحيازي هو من أهم الضمانات العينية في تحقيق ذلك, ولا يمكن للدائنين الإقبال على منح مبالغَ أو قروضٍ تحت هذا النوع من التأمين العيني إلا بوجود ضمانات تضمن لهم استيفاء الدين وفوائده, وعلى الرغم مما يحققه هذا الضمان من ميزات للدائنين تم ذكرها سابقا, إلا أن هناك العديد من الإشكاليات التي تعمل على تقليص دور الرَّهْن الحيازي كضمانة عينية لتشجيع الدائنين في الإقبال عليها للحصول على ديونهم, فنقل حيازة المرهون التي يمنحها الرَّهْن الحيازي للدائنين ليست بالميزة بقدر ما تثقل كاهلهم بالمحافظة عليه واستثماره, وقد لا تكون لديهم الخبرة في إداراته واستغلاله.

بالإضافة إلى أن التطور الهائل لأوجه الاستثمار المتعددة, والتي تضمن الاستفادة من القروض التي يمنحها الدائنون للمدينين, فيفضلون ضمانة الرَّهْن الرسمي عن الرَّهْن الحيازي, خاصة وأن هذا الأخير ينتشر التعامل به في الريف أكثر من المدن, وبات بشكل ملحوظ التوجه الاستثماري في عمليات الشييد والبناء للعديد من الوحدات سواء كانت سكنية أو إدارية، وسواء كانت لأفراد أو هيئات أو مؤسسات خاصة كانت أو عامة, بالإضافة إلى أن هذا النوع من الاستثمار غير قائم في الريف, وعلى الرغم من أن البيئة التي ينشط فيها الرَّهْن الحيازي أكثر من غيرها وهي بيئة الاستثمار الزراعي, إلا أن كثرة النزاعات حول ملكية الأراضي الزراعية على وجه الخصوص, ولأن نظام التسجيل العقاري في نقل الملكية للملاك الحاليين بات معقدا لعدة أسباب ترجع إلى صعوبة توفير المستندات الدالة على الملكية وتسلسلها من المالك المسجل باسمه العقار, وبات نظام الإشهار الشخصي يكاد يكون قليلا, وعدم تفعيل قانون السجل العيني إلا على فترات زمنية متباعدة, أدى إلى تباطؤ استقرار الملكية للعقار, وترتب على إثر ذلك تباطؤ عجلة هذا النوع من الاستثمار, حيث لا يُمكن منح قروض على عقار غير معلوم مالكه, وهذا التزام أساسي في الرَّهْن, وهو أن يكون المدين الراهن مالكا للمال المرهون, فإذا لم يكن المدين الراهن مالكا بات الدائن المرتهن- خاصة إذا ما كان حسن النية- ذليلا تحت رحمة الغير الذي قد يقر الرَّهْن أم لا.

ومن المعلوم أن الأشياء توفر الثقة أكثر من الرجال, وكما عبر لوزايل وهو من أكبر شراح القانون الفرنسي القديم عن ذلك" بأن الضامن يراوغ، بينما المال المحمل بالضمان يدفع". 
ولا يمكن أن يكون ذلك محققا إلا باستقرار ملكية المال الذي يمكن رهنه تفاديا لمرواغة من يقدمه كرهن. 

ناهيك عن اندثار الرقعة الزراعية نتيجة تهميش دور الفلاح وعدم دعمه، وعدم الاهتمام به، وعدم إتاحة الفرصة لنهضته من خلال تيسير منحه قروضا تدفعه للإنتاج, أدى ذلك إلى تقليص حجم القروض التي يمكن منحها, مما أدى إلى تقليص دور الرَّهْن الحيازي, ويكاد يكون عدم الاحتياج إليه في إعماله. ولكي يمكن تنشيط وتفعيل دور الرَّهْن الحيازي في عملية الائتمان فلا بُدّ من تحفيز الدائنين, ولا يُمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال استحداث التشريعات والقوانين اللازمة. 

ولما كان تحديث التشريعات أمر تفرضه الظروف المجتمعية وتغيرها في أحوال المعيشة, فقد كانت التأمينات الشخصية من أوائلها ظهورًا حيث كان المجتمع بدائيا فكانت الكفالة والتضامن هما وسائل الضمان, ومع تطور المجتمعات وتحضرها ظهرت فكرة التأمينات العينية لكونها تفترض حضارة أكثر تقدما, وتنوعا في الحقوق, وكان يسبق التأمينات العينية, تنظيم حق الملكية, والذي يُعد حقا أصليا تتفرع عنه الحقوق العينية أصلية كانت أو تبعية "التأمينات".

ولما تغيرت الظروف المجتمعية الآن كثيرا عما كان عليه الوضع سابقا، حيث التوجه السريع في التطوير، وتعدد وتنوع المشروعات، ودفع عجلة الاستثمار، مما يتطلب النظر في أحكام التأمينات وتطوير تشريعاتها بما يتناسب وينسجم مع الحياة الاقتصادية, ويُعد هذا أمرا لا محيد عنه, حتى لا يكون جمودُ نصوصها عقبةً في سير وسهولة الحياة الاقتصادية, فقد كانت خطوة موفقة ومقبولة من المشرع المصري عندما أصدر تشريعا خاصا لتنظيم رهن المنقول دون نقل حيازته من المدين الراهن إلى الدائن المرتهن, ونظم أحكامه بالقانون رقم 115 لسنة 2015 لتنظيم الضمانات المنقولة.

وإن كنا نفضل أن لو قام المشرع بتضمين أحكامه ضمن أحكام التأمينات العينية طبقا لأحكام القانون المدني كنظيره المشرع الفرنسي, إلا أنها خطوة جيدة أدت إلى تقليص دور الاحتجاج بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز, وذك بقيد المنقول في سجل إلكتروني, يُمكن الغير من العلم بالحقوق المحملة عليه من عدمه ونأمل أن يعمم تطبيق وتفعيل قانون السجل العيني على كافة المناطق التي تحتاج إلي تطبيقه حيث قصور ما تضمنه القانون رقم 9 لسنة 2022.
تعليقات
    20231230-155210-0000