عقد الوكالة

عقد الوكالة وما يميزه عن غيره من العقود

د/ محمد عويان

د/محمد عويان 
نظم المشرع أحكام عقد الوكالة في المواد من 699 حتى 717 من القانون رقم 131 لسنة 1948 وفصل المشروع أحكام الوكالة عن موضوع النيابة بوجه عام حيث وضع مبدأ النيابة وما يتصل بها من أحكام بين القواعد العامة للإلتزامات (مادة 104- 107 مدني) وجعل عقد الوكالة في مكانه بين العقود المسماه التي ترد على العمل, إذ الوكالة محلها عمل الوكيل, وقد روعى بعد فصل الوكالة عن النيابة, أي تتكرر النصوص في الموضوعين .
 فاختصت النيابة بالمبادئ العامة دون نظر إلي مصدر النيابة هل هو العقد أو القانون وعرض المشروع فيه بنوع خاص إلي أثر النيابة في العلاقة مع الغير الذي يتعاقد معه النائب. 

أما الوكالة, فاعتبارها عقدا بين الوكيل والموكل, وقد تركزت فيها أحكام النيابة مخصصة من ناحيتين, من ناحية المصدر فهي نيابة اتفاقية مصدرها العقد , ومن ناحية الأثر فهي تقف بنوع خاص عند أثر النيابة في علاقة الوكيل بالموكل أي النائب بالأصيل . أما العلاقة بالغير فقد وردت في الوكالة أحكامها الخاصة بالنيابة الاتفاقية, مع الإحالة على مبدأ النيابة بوجه عام  الأحكام الأخرى".  


لكن هل عقد الوكالة عقدا شكليا وهل يشترط الرسمية, فلماذا لم يشترط المشرع بالنصوص المنظمة لأحكام الوكالة, كما هو في تنظيم أحكام عقد الرهن الرسمي كما هو نص المادة 1031مدني, وأحكام عقد الهبة بالنصوص المنظمة لها في المواد(486- 504 مدني). وهل هو عقدا لازم أم عقد غير لازم , وهل يتطلب عقد الوكالة عملا قانونيا أم لا يشترط ذلك .  

والوكالة اسم مصدر من التوكيل وهي فتح الواو وكسرها، حيث يقصد بها من وكل إليه الأمر، أي أن يعهد إلى غيره ، بمعنى أن يعمل له عملا. فالوقوف على حقيقة عقد الوكالة أمرا ضروريا حتى يمكن تكيف طبيعة العلاقة العقدية بين طرفيها حيث تقترن الوكالة بغيرها من العقود مثل عقد البيع وقد تلتبس أيضا بذلك وتختلف عن غيرها من العقود أيضا مثل عقد المقاولة والعمل والايجار والشركة والوديعة. وكذلك التميز بين الوكالة المدنية والوكالة التجارية حيث ذلك يعرضنا للوقوف على القضاء المختص بنظر النزاع الناشئي عن العلاقة العقدية ومسائل الاثبات أيضا هل يتطلب اثباتا بالكتابة أم بكافة طرق الاثبات. كذلك التصرف القانوني في الوكالة يجب أن يكون سابقا, لو كان لاحقا لم تكن وكالة بل فضالة. 

والوقوف علي مضمون عقد الوكالة هل هي وكالة في أعمال الأدارة  فقط أم وكالة في اعمال التصرف أم نوعي الأعمال, وهل هي وكالة خاصة أم وكالة عامة.  

وهو ما يتطلب أن نتعرض للعديد من الأسئلة عن الوكالة وأحكامها ولكن ماهي الوكالة. الوكالة: عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل (المادة699).

فالوكالة في الأصل من عقود التراضي, وقد يكون عقد شكلي إذا كان التصرف القانوني محل الوكالة تصرف شكلي, وهو في الأصل من عقود التبرع, وهو من عقود المعاوضة إذا اشترط الأجر صراحة أو ضمنا, وهو عقد ملزم للجانبين إذا اشترط أجر الوكيل, وقد يكون ملزم لجانب واحد وهو جانب الوكيل, ولا تنشأ التزامات في ذمة الموكل إذا كانت الوكالة بغير أجر ولم ينفق الوكيل مصروفات ولم يصبه ضرر يعوض عنه.

وتتطلب الوكالة شكل معين وهو الشكل الذي يجب توافره في العمل القانوني مالم يوجد نص قانوني يقضي بخلاف ذلك (المادة700مدني). والأصل في التصرفات القانونية أن تكون رضائية لا تستوجب شكلا خاصا, فكذلك الأصل في الوكالة هي أن تكون أيضا رضائية.( فالوكالة في البيع أو الشراء, أو الإيجار أو الاستئجار, والوكالة في القرض أو الاقتراض, والوكالة في عقود الصلح والمقاولة والعارية والوديعة والكفالة وغير ذلك من العقود الرضائية, تكون رضائية مثل العقد الذي هو محل الوكالة, ولا تستوجب شكلا خاصا لإنعقادها. 

الوكالة أيضا في قبول الوصية, الاشتراط  لمصلحة الغير, تطهير العقار المرهون, تكون رضائية مثل التصرف القانوني الصادر من جانب واحد الذي هو محل الوكالة. ولا تستوجب شكلا خاصا لانعقادها. كما أن هناك عقود شكلية تستوجب شكلا خاصا, ورقة رسمية أو ورقة مكتوبة مثلا, فهذه تكون أيضا الوكالة فيها شكلية. فالوكالة في الهبة يجب لانعقادها أن تكون في ورقة رسمية كالهبة ذاتها محل الوكالة, ولكن هذا مقصور على توكيل الواهب لغيره في أن يهب مالا نيابة عنه, إذ إيجاب الواهب هو وحده الذي يجب أن يكون في ورقة رسمية, أما قبول الموهوب له فلا يشترط فيه الرسمية. ومن ثم توكيل الموهوب له في قبول الهبة عقدا رضائيا لا يستوجب شكلا خاصا لانعقاده. 

محاكاه عملية افتراضية: إذا لم يتحقق شرط الانعقاد وهو الرسمية في الوكالة من جانب الواهب, فلا تنعقد الهبة عن طريق الوكالة, وبالتالي ليس للموهوب له أن يطالب بها وكيل الواهب.

كذلك الوكالة في الرهن الرسمي, يجب أن يكون توكيل الراهن غيره في رهن العقار مكتوبا في ورقة رسمية, أما توكيل الدائن المرتهن غيره في ارتهان العقار فهو عقد رضائي لا يستوجب شكلا خاصا لانعقاده. ومحو قيد الرهن الرسمي(شطب الرهن الرسمي) تصرف قانوني شكلي المادة 45 من قانون تنظيم الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946, كذلك التوكيل الذي يعطيه الدائن المرتهن للغير لإجراء المحو يجب أن يكون رسميا.   

كذلك عقد الشركة يجب أن يكون مكتوبا ولو في ورقة عرفية, وإلا كان باطلا (المادة 507مدني) فهو إذن عقد شكلي. ومن ثم تكون الوكالة في عقد الشركة عقدا شكليا, ولا تنعقد إلا بورقة مكتوبة ولو كانت ورقة عرفية.     

وأخيرا يلاحظ  بعبارة النص " مالم يوجد نص يقضي بغير ذلك " فلو أن هناك نص يقضي بأن التوكيل يجب أن يكون في شكل معين , وجب مراعاة هذا الشكل , دون النظر إلي ما إذا كان التصرف القانوني محل الوكالة  شكلي أو غير شكلي, مثل ذلك التوكيل الصادر للمحامي أو الوكيل بالخصومة فقد نصت المادة 57 من قانون المحاماه رقم 17 لسنة 1983 " لا يلتزم المحامي الذي يحضر عن موكله بمقتضى توكيل عام أن يودع التوكيل بملف الدعوى ويكتفى بالاطلاع عليه واثبات رقمه وتاريخه والجهة المحرر أمامها بمحضر الجلسة".

المحاكاه العملية في هذا الصدد:- لو عرضت عليك سيدي الزميل المحامي المبجل قضية تتضمن نوعا من التصرفات القانونية يجب أن يراعي التحقق من الشروط التي يتطلبها المشرع شكلا في انعقاد هذا التصرف . فقد يمكنك هذا من ابطال أو عدم ابطال هذا التصرف إذا كان هذا يحقق الحماية القانونية لموكلك.

 ولكن هل يشترط في الوكالة أن تكون صريحة أم يمكن أن تكون ضمنية.

 الوكالة يمكن أن تكون صريحة ويمكن أن تكون ضمنية , فلو أن هناك مال شائع يتطلب لإدارته (827 , 828 مدني) قيام أحد الشركاء أو جميعهم القيام بعمل الإدارة, إلا أنه قد يقوم أحد الشركاء بإدارة هذا المال دون اعتراض من الباقين الشركاء اعتبر هذا وكيلا عنهم, ولو أن أجرة تلك الأماكن على الشيوع تتطلب تحصيلها وهو ما يدعوا إلي قيام أحد الشركاء بذلك منفردا اعتبر نائبا عن باقي الشركاء في ذلك طالما أن أي أحد منهم لم يعترض على القيام بهذا الإجراء.

أيضا الوكالة الضمنية الصادرة لخدم المنزل- والصادرة من الزوج لزوجته– ومن المخدوم للمستخدم ( فالمحامي ينوب عنه وكيل مكتبه- والطبيب ينوب عنه تمرجي عيادته)- الصادرة للمحضر في قبض الدين.  

ولكن متى يكون عقد الوكالة مدنيا ومتى يكون تجاريا؟.

تكون الوكالة مدنية أو تجارية بالنسبة إلي الموكل ما إذا كان التصرف القانوني محل الوكالة مدنيا أو تجاريا بالنسبة إليه, فإذا صدر توكيل من الموكل في تصرف تجاري, كما إذا كان الموكل تاجرا وكان التصرف متعلقا بعمل من أعمال تجارته, أو كان الموكل غير تاجر ولكن التصرف القانوني كان عملا من أعمال المضاربة فيدخل في الأعمال التجارية, كانت الوكالة تجارية بالنسبة إلي الموكل. 

أما إذا صدر التوكيل في تصرف مدني, كما إذا كان الموكل غير تاجر والتصرف لا يتعلق بعمل من اعمال تجارته, كانت الوكالة مدنية بالنسبة إلي الموكل.

فلو أن سمسارا وكل في شراء أسهم للاستغلال يعتبر عملا مدنيا بالنسبة إلي الموكل, وفي شراء أسهم للمضاربة يعتبر عملا تجاريا بالنسبة إليه, وتوكيل التاجر لشخص في شراء منزل لسكناه يعتبر عملا مدنيا بالنسبة إلي الموكل, وتوكيله في شراء بضائع لتجارته يعتبر عملا تجاريا بالنسبة إليه.     

أما بالنسبة إلي الوكيل, فإن الوكالة تعتبر تجارية إذا كان تاجرا وكانت الوكالة تدخل في أعمال تجارته, وتعتبر مدنية إذا لم يكن تاجرا ولو دخلت الوكالة في أعمال مهنته , فوكالة السمسار في شراء منزل للسكنى تعتبر وكالة تجارية بالنسبة إلي السمسار, وإن كانت مدنية بالنسبة إلي الموكل, ووكالة المحامي عن تاجر بالنسبة إلي السمسار, وإن كانت تجارية بالنسبة إلي الموكل.

اهمية تميز الوكالة إذا كانت مدنية أو تجارية في الاختصاص والاثبات. 

المحاكاه العملية: فإذا كانت الوكالة مدنية, كان القضاء المدني هو المختص, ولم يجز الاثبات إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامهما إذا زادت القيمة على خمسمائة جنيه, أما إذا كانت الوكالة تجارية, فإن القضاء التجاري يكون مختصا, ويجوز الإثبات بالبينة أو بالقرائن مهما بلغت قيمة الوكالة .

       تحياتي 
دكتور/ محمد عويان
       المحامي 
01004820476
تعليقات
    20231230-155210-0000